الاثنين، 27 أكتوبر 2014

المقامـــــــــــات والأحـــــــــــــــوال

المقامـــــــــــات والأحـــــــــــــــوال
المقام والحال:أصطلاحان يستخدمهما الصوفيون للتدليل على تدرج السالك للطريق الصوفي من مكانة الى أخرى,ولما يتعرض له في تدرجه هذا في المقامات من أحوال تأتيه من نسمات الرحمة الإلهية.
المقــــامات :ــــــ هي مكاسب تحصل للإنسان المؤمن ببذل المجهود,وهي مراحل يرتقي فيها المريد في طريقه الى التمكين والاطمئنان القلبي لتتحقق له مكانة بين الخاصة من المصطفين الأخيار.ويقول السراج الطوسي في “اللمع”:
“إن قيل مامعنى المقامات؟يقال:معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل,فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضيات والانقطاع الى الله عز وجل”،وقال الله تعالى: (ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) وقال وما منا إلا له مقام معلوم ).
من المقامات عند الطوسي: التوبة – الورع – الزهد – الفقر – الصبر – الرضا – التوكل…الخ.
الحــــال:ـــــ فهي معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اكتساب,والأحوال هي المذاهب الفائضة على العبد من ربه,وهي تكون ميراثاً يلي العمل الصالح المقترن بصفاء القلب,أو امتناناً من الله تعالى على العبد,ولكنها لاتدوم وإذا دامت تحولت من حال الى مقام.
وقد جاء في “اللمع”:”وأما معنى الأحوال فهو مايحل بالقلوب أو تحل به القلوب من صفاء الأذكار,وقد حكي عن الجنيد رحمه الله أنه قال:الحال نازلة تنزل بالقلوب فلاتدوم…وليس الحال من طريق المجاهدات والعبادات والرياضيات كالمقامات”.
من الأحوال :المراقبة – القرب – المحبة – الخوف – الرجاء – الشوق – الأنس – الطمأنينة – المشاهدة – اليقين…الخ.
( المقام إذن هو مقام الإنسان بظاهره وباطنه في حقائق الطاعات,وأما الحال فهي مايتعرض له القلب من نسمات الرحمة الإلهية والصدر من الشرح ولايدوم).
أما في “الرسالة القشيرية” فلقد جاء :أن المقام “مايتحقق به العبد بمنازلته من الآداب,مما يتوصل اليه بنوع تصرف,ويتحقق به بضرب تطلب,ومقاساة تكلف.فمقام كل أحد:موضع إقامته عند ذلك,وما هو مشتغل بالرياضة له.
وشرطه أن لايرتقي من مقام الى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام…ولايصح لأحد منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام,ليصح بناء أمره على قاعدة صحيحة”.
أما الحال عند الصوفية فهي “معنى يرد على القلب,من غير تعمد منهم,ولا اجتلاب,ولااكتساب لهم…فالأحوال :مواهب.والمقامات :مكاسب. وقالوا :الأحوال كإسمها، يعني أنها كما تحل بالقلب تزول في الوقت”.
وجاء في تعريف للدكتور قاسم غني:”مقامات التصوف إنما هي من الأمور الاكتسابية والاجتهادية,ومن جملة الأعمال التي هي باختيار السالك وإرادته,بينما الأحوال من مقولة الإحساسات والانفعالات الروحية,ومن الحالات والكيفيات النفسية الخاصة مما ليس باختيار الإنسان بل هو من جملة المواهب والأفضال النازلة على قلب السالك من لدن الله من غير أن يكون للسالك أدنى تأثير في نزوله على قلبه أو محوه عن خاطره”.
المقامـــــــــــــــــــــات :ــــــ
التوبة

"يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا تُوْبُوْا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوْحًا"
اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتثم من ثلاثة أمور مرتبة: علم ، وحال ، وفعل. فالعلم الأول ، والحال الثاني ، والفعل الثالث. والأول موجب للثاني ، والثاني موجب للثالث إيجابا اقتضاه إطراد سنة الله في الملك والملكوت. أما العلم؛ فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجابا بين العبد وبين كل محبوب ، فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب ، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم ، فإن كان فواته بفعله تأسف على الفعل المفوت ، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما ، فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى وانبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال والماضي وبالاستقبال ، أما تعلقه (بالحال) فبالترك للذنب الذي كان ملابسا ، وأما (بالاستقبال) فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر ، وأما (بالماضي) فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلا للجبر ، فالعلم هو الأول ، وهو مطلع هذه الخيرات ، وأعني بهذا العلم الإيمان واليقين ، فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة ، واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق ، وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم بها القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه ، كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه ، وقد أشرف على الهلاك فتشعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك ، فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها ، وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ، ويجعل العلم كالسابق ، والمقدمة والترك كالثمرة ، والتابع المتأخر ، وبهذا الاعتبار قال صلى الله عليه وسلم : ((الندم توبة))
الزهد

"إِنَّا جَعَلْنَا مَاعَلىَ الْأَرْضِ زِيْنَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً "
الزهد عند الغزالي أن تقتصر على أكل حمصة كل أربعين يوما، والزهد والتخلص من حب الجاه عنده يتم، بمباشرة أفعال يلام عليها حتى يسقط من أعين الخلق، وهذا مذهب الملامتية، إذ اقتحموا الفواحش في صورتها ليسقطوا أنفسهم من أعين الناس فيسلموا من آفة الجاه. فمنهم من شرب شرابا حلالا في قدح لونه لون الخمر حتى يظن أنه يشرب الخمر فيسقط من أعين الناس،كما فعل بعضهم: فإنه عرف بالزهد وأقبل الناس عليه، فدخل حماما ولبس ثياب غيره، وخرج فوقف في الطريق حتى عرفوه، فأخذوه وضربوه واستردوا منه الثياب وقالوا: (إنه طرار وهجروه)
الفقر

"يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ"
اعلم أن الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه أما فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمى فقرا وإن كان المحتاج إليه موجودا مقدورا عليه لم يكن المحتاج فقيرا وإذا فهمت هذا لم تشك في أن كل موجود سوى الله تعالى فهو فقير لأنه محتاج إلى دوام الوجود في ثاني الحال ودوام وجود مستفاد من فضل الله تعالى وجوده فإن كان في الوجود موجود ليس وجوده مستفاد له من غير فهو الغني المطلق ولا يتصور أن يكون مثل هذا الموجود إلا واحدا فليس في الوجود إلا غني واحد وكل من عداه فإنهم محتاجون إليه ليمدوا وجودهم بالدوام وإلى هذا الحصر الإشارة بقوله تعالى والله الغني وأنتم الفقراء هذا معنى الفقر مطلقا ولكنا لسنا نقصد بيان الفقر المطلق بل الفقر من المال على الخصوص وإلا ففقر العبد بالإضافة إلى أصناف حاجاته لا ينحصر لأن حاجاته لا حصر لها ومن جملة حاجاته ما يتوصل إليه بالمال وهو الذي نريد الآن بيانه فقط فنقول كل فاقد للمال فإنا نسميه فقيرا بالإضافة إلى المال الذي فقده إذا كان ذلك المفقود محتاجا إليه في حقه ثم يتصور أن يكون له خمسة أحوال عن الفقر ونحن نميزها ونخصص كل حال باسم لنتوصل بالتمييز إلى ذكر أحكامها (الحالة الأولى) وهي العليا أن يكون بحيث لو أتاه المال لكرهه وتأذى به وهرب من أخذه مبغضا له ومحترزا من شره وشغله وهو الزهد واسم صاحبه الزاهد. (الثانية) أن يكون بحيث لا يرغب فيه رغبة يفرح لحصوله ولا يكرهه كراهة يتأذى بها ويزهد فيه لو أتاه وصاحب هذه الحالة يسمى راضيا. (الثالثة) أن يكون وجود المال أحب إليه من عدمه لرغبة له فيه ولكن لم يبلغ من رغبته أن ينهض لطلبه بل إن أتاه صفوا عفوا أخذه وفرح به وإن افتقر إلى تعب في طلبه لم يشتغل به وصاحب هذه الحالة نسميه قانعا إذ قنع نفسه بالموجود حتى ترك الطلب مع ما فيه من الرغبة الضعيفة. (الرابعة) أن يكون تركه الطلب لعجزه وإلا فهو راغب فيه رغبة لو وجد سبيلا إلى طلبه ولو بالتعب لطلبه أو هو مشغول بالطلب وصاحب هذه الحالة نسميه بالحريص. (الخامسة) أن يكون ما فقده من المال مضطرا إليه كالجائع الفاقد للخبز والعاري الفاقد للثوب ويسمى صاحب هذه الحالة مضطرا كيفما كانت رغبته في الطلب إما ضعيفة وإما قوية وقلما تنفك هذه الحالة عن الرغبة فهذه خمسة أحوال أعلاها الزهد والاضطرار إن انضم إليه الزهد وتصور ذلك فهو أقصى درجات الزهد كما سيأتي بيانه ووراء هذه الأحوال الخمسة حالة هي أعلى من الزهد وهي أن يستوي عنده وجود المال وفقده فإن وجده لم يفرح به ولم يتأذ وإن فقده فكذلك بل حاله كما كان حال عائشة رضي الله تعالى عنها إذا أتاها مائة ألف درهم من العطاء فأخذتها وفرقتها من يومها فقالت خادمتها ما استطعت فيما فرقت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحما نفطر عليه فقالت لو ذكرتيني لفعلت
الصبر
اعلم أن الصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين وجميع مقامات الدين إنما تنتظم من ثلاثة أمور معارف وأحوال وأعمال فالمعارف هي الأصول وهي تورث الأحوال والأحوال تثمر الأعمال فالمعارف كالأشجار والأحوال كالأغصان والأعمال كالثمار وهذا مطرد في جميع منازل السالكين إلى الله تعالى واسم الإيمان تارة يختص بالمعارف وتارة يطلق على الكل كما ذكرناه في اختلاف اسم الإيمان والإسلام في كتاب قواعد العقائد وكذلك الصبر لا يتم الا بمعرفة سابقة وبحالة قائمة فالصبر على التحقيق عبارة عنها والعمل هو كالثمرة يصدر عنها ولا يعرف هذا إلا بمعرفة كيفية الترتيب بين الملائكة والإنس والبهائم فان الصبر خاصية الإنس ولا يتصور ذلك في البهائم والملائكة اما في البهائم فلنقصانها وأما في الملائكة فلكمالها وبيانه أن البهائم سلطت عليها الشهوات وصارت مسخرة لها فلا باعث لها على الحركة والسكون الا الشهوة وليس فيها قوة تصادم الشهوة وتردها عن مقتضاها حتى يسمى ثبات تلك القوة في مقابلة مقتضى الشهوة صبرا.
الرضا
الرضا عند الغزالي، أن لا تسأل الله الجنة، ولا تستعيذ به من النار وحتى العمل على دفع البلاء وإزاحة المصيبة أمر مناف للرضا بالقضاء عند الصوفية، حكى الغزالي أنه ضاع لأحد الصوفيين ولد صغير ثلاثة أيام ولم يعرف له خبر، فقيل له: لو سألت الله تعالى أن يرده عليك، فقال: إعتراضي عليه فيما قضى أشد علي من ذهاب ولدي.
التوكل

من ادخر لسنة فهو عند الغزالي ليس من المتوكلين على الله، ومن ادخر لأربعين يوما صار محروما من المقام المحمود يوم القيامة . والاهتمام بالرزق قبيح بالمتدينين وبالعلماء فإن الكسب يمنع السير الى الله.
ومن أعظم أنواع التوكل عند الغزالي من يدور في البوادي بغير زاد ثقة بالله، فإن مات جوعا فليرض بالموت رزقا حيث لم يتيسر له شيء من الرزق. وأدنى منه مرتبة في التوكل من يقعد في بيته أو مسجده ويتوكل على الله. وأدنى منه مرتبة من يخرج ويتكسب لأن عنده عيالا لا يستطيع أن يقنعهم أن الموت جوعا رزق عظيم من الله. وهذه المرتبة شبيهة بمرتبة أبي بكر الصديق
الأحـــــــــــــــــــــــــــــــوال :ــــــــــــــ
المراقبة
أعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب والصراف الهم إليه فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال أنه يراقب فلانا ويراعى جانبه ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظتهإياه وانصرافه إليه وأما المعرفة التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر رقيب على أعمال العباد قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل اشد من ذلك فهذه المعرفة إذا صارت يقينا أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب قهرته فرب علم لا شك فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت فإذا استولت على القلب استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب اليمين فمراقبتهم على درجتين الدرجة الأولى مراقبة المقربين من الصديقين وهي مراقبة التعظيم.
المحبة
اعلم أن المطلب من هذا الفصل لا ينكشف إلا بمعرفة حقيقة المحبة في نفسها ثم معرفة شروطها وأسبابها ثم النظر بعد ذلك في تحقيق معناها في حق الله تعالى: فأول ما ينبغي أن يتحقق انه لا يتصور محبة إلا بعد معرفة وأدراك إذ لا يحب الإنسان إلا ما يعرفه ولذلك لم يتصور أن يتصف بالحب جماد بل هو من خاصية الحي المدرك ثم المدركات في انقسامها تنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك ويلائمه ويلذه والى ما ينافيه وينافره ويؤلمه والى ما لا يؤثر فيه بإيلام
الخوف
اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب وإحتراقه بسبب توقع مكروه في الإستقبال وقد ظهر هذا في بيان حقيقة الرجاء ومن أنس بالله وملك الحق قلبه وصار ابن وقته مشاهدا لجمال الحق على الدوام لم يبق له التفات إلى المستقبل فلم يكن له خوف ولا رجاء بل صار حاله أعلى من الخوف والرجاء فإنهما زمانان يمنعان النفس عن الخروج إلى رعوناتها وإلى هذا أشار الواسطي حيث قال الخوف حجاب بين الله تعالى وبين العبد وقال أيضا إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها فضلة لرجاء ولا لخوف وبالجملة فالمحب إذا شغل قلبه في مشاهدة المحبوب بخوف الفراق كان ذلك نقصا في الشهود وإنما دوام الشهود غاية المقامات ولكنا الآن إنما نتكلم في أوائل المقامات فنقول حال الخوف ينتظم أيضا من علم وحال وعمل أما العلم فهو العلم بالسبب المفضى إلى المكروه
الرجاء
أعلم أن الرجاء من جملة مقامات السالكين وأحوال الطالبين وإنما يسمى الوصف مقاما إذا ثبت وأقام وإنما يسمى حالا إذا كان عارضا سريع الزوال وكما أن الصفرة تنقسم إلى ثابتة كصفرة الذهب وإلى سريعةالزوال كصفرة الوجل وإلى ما هو بينهما كصفرة المريض فكذلك صفات القلب تنقسم هذه الأقسام فالذى هو غير ثابت يسمى حالا لأنه يحول على القرب وهذا جار في كل وصف من أوصاف القلب وغرضنا الآن حقيقة الرجاء فالرجاء أيضا يتم من حال وعلم وعمل فالعلم سبب يثمر الحال والحال يقتضى العمل وكان الرجاء اسما من جملة الثلاثة وبيانه أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فينقسم إلى موجود في الحال وإلى موجود فيما مضى وإلى منتظر في الاستقبال.

الأنس
قد ذكرنا أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة إلا أن هذه آثار تختلف على المحب بحسب نظره وما يغلب عليه في وقته فإذا غلب عليه التطلع من وراء حجب الغيب إلا منتهى الجمال واستشعر قصوره عن الاطلاع على كنه الجلال انبعث القلب إلى الطلب وانزعج له وهاج إليه وتسمى هذه الحالة في الانزعاج شوقا وهو بالإضافة إلى أمر غائب وإذا غلب عليه الفرح بالقرب ومشاهدة الحضور بما هو حاصل من الكشف وكان نظره مقصورا على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بما يلاحظه فيسمى استبشاره أنسا وإن كان نظره إلى صفات العز والاستغناء وعدم المبالاة وخطر إمكان الزوال والبعد تألم القلب بهذا الاستشعار فيسمى تألمه خوفا وهذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات والملاحظات تابعة لأسباب تقتضيها لا يمكن حصرها فالأنس معناه استبشار القلب فرحه بمطالعة الجمال حتى إنه إذا غلب وتجرد عن ملاحظة ما غاب عنه وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه ولذته ومن هنا نظر بعضهم حيث قيل له أنت مشتاق فقال لا إنما الشوق إلى غائب فإذا كان الغائب حاضرا فإلى من يشتاق وهذا كلام مستغرق بالفرح بما ناله غير ملتفت إلى ما بقى في الإمكان من مزايا الألطاف ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة كما حكى.
الاختتام

لقد بحثنا فى هذه المقالة أن المقامات والأحوال عند الغزالى قد يقسم إلى أقسام كثيرة، فمن المقامات عنده من التوبة، الورع، الزهد، الفقر، الصبر، الرضا، التوكل. ومن الأحوال عند الغزالى من المراقبة، القرب، المحبة، الخوف، الرجاء، الشوق، الأنس، الطمأنينة، المشاهدة، اليقين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق