الاثنين، 27 أكتوبر 2014

التصوف الاسلامى

التصوف الإسلامي
 الذي يذهب البعض لتعريفه بأنه من الصفاء أو من» الصوف» لخشونة ملبسه، دلالة على الزهد أو «صوفيا» اليونانية بمعنى الحكمة، فهذه معانٍ مدرسية تعليمية كسولة، ليرتاح أصحابها من متاعب التفكير. فالمعنى الحقيقي للتصوف أو المتصوف، هو تجاوز الذات إلى الموضوع، ولايتوقف ذلك على البعد الديني، وإنما الأمر يمتد إلى العلم والفن والشعر، وكان الأمر قائما قبل الإسلام بزمن طويل يعود بقدمه إلى قدم الإنسان المعروف بالتاريخ. التصوف نزعة أصيلة في الإنسان الساعي إلى ملامسة الحقائق العميقة في الكون، والتوسل إلى انعكاس معاني الكون على المرآة الذاتية (الباطنة) لهذا المتجرّد عن المحسوسات، الطامح إلى سطوع الأنوار العلوية على مرآته، أملاً في تجلِّي المعارف الكلية بالكشف الذاتي المتعالي على قواعد الإدراك الحسي والاستدلال الاستقرائي والاستنباط. الصوفي، والمتصوف. فالصوفي نموذج يكون به الاقتداء،
والمتصوِّف تابعٌ يطلب الارتقاء.. الصوفي صاحب طريق، والمتصوِّف عضوٌ في طريقة.. الصوفي مُراد، والمتصوف مُريد. أن التصوفُ أيضاً هو عكوفٌ على الذات، بمعنى مراقبة النفس والإبحار فيما يتجلى بقلب الصوفي من رؤى ومشاهدات، على اعتبار أن النفس، أو بالأحرى: الروح، هي المرآةُ التي يتجلَّى على صفحتها الكونُ كله. وبحسب جلاء هذه المرآة، يكون نصوعُ الصورة في قلب الصوفي أو الإعتام التام في قلوب العوامّ.. وللتوضيح، لا يقصد الصوفيةُ بالعوامِّ جمهورَ الجهلاء، فالعامّيُّ عندهم قـد يكون عالماً كبيراً في تخصُّصه، لكنه غافل عن ثراء باطنه وتجليات الكون على مرآة روحه، لأن المرآة معتمةٌ! إذن،

التصوفُ هو التذوُّق والتوغُّل والعكوف العميق على الذات العارفة باعتبارها مرآةً للكون. وبهذا المعنى الأوسع والأعمق للتصوف، يكون العشاق صوفية، والثوار صوفية، والفنانون صوفية. ويعني بذلك الحقيقيين من أولئك وهؤلاء! فالعاشق إذا تولَّه بمحبوبه صار لا يبصره بالعين، وإنما يراه متجلياً على مرآة ذاته العاشقة، حسب تعبيره.

الصوفية أو التصوف وفق الرؤية الإسلامية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد أركان الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان (وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج كما يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فجعلوه علما سموه بـ علم التصوف، أو علم التزكية، أو علم الأخلاق،

ظهور التصوف كعلم:
 اتسع التصوف بعد عهد الصحابة والتابعين، دخل في دين الإسلام أُمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض "الميراث" وغيرها. وبعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هُم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق