الاثنين، 27 أكتوبر 2014

"الأمر والكون لله تعالى"


"الأمر والكون لله تعالى": 

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وكفى، {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}.
أمَّا بعدُ: فكان الله ـ جلَّ جلالُهُ، وعمَّ فضلُهُ ونوالُهُ، ولا كون؛ فخلق الله الكون ليُعرف ويُعبد وحده، وجعل الكون مستقراً لخلقه، ومهبطاً لرحمته، وعظمة لقدرته.
والكون والمكان عبدان حادثان. والله ـ تبارك وتعالى، هو الخالق البارئ الغني عمّا خلق. وحضوره ـ جلَّ وعلا، في كونه؛ بقدرته، وعلمه، وتجلياته؛ "حضوراً استغنائيا"؛ كما قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، وقال ـ جلَّ جلاله، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً}، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال ـ جلَّ شأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، ومن هذا جعل من آياته الروح، وهي: لطيفة ربانية، لا هي متصلة بالجسد فيخلد، ولا منفصلة فيموت، جوهره مخالف لجوهر البدن؛ ولكنه سر حياة هذا الجسد بكل ذرات وجوده، وأنها مخلوقة لله؛ بإرادته وحكمته ، يتصرف بها ـ جلَّ جلاله، في الوفاة والإمساك والإرسال، وهي لا تُرى، ولا تُدرك؛ لأنها من البسيطات غير المركبات، وقد أوتينا من علمها القليل، كما قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}، وهذه في الحياة واليقظة، أما الروح في النوم فهي أقوى؛ بما يرى فيه بإرسال الحق لها أوسع من اليقظة والمشاهدة، كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (والرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِن النُّبُوَّةِ)، ورؤيا الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وحي؛ وروح أشد من ذلك وهي في البرزخ أو القبر، وقبل ذلك قريب منه؛ قال تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}، فيفتح لصاحب البرزخ بقوة الروح بإذن الله تعالى من منازل الآخرة والجنة، والحساب والعقاب؛ وروح أشد وأقوى وأكمل، وهي في عالم البقاء والآخرة، فيرى ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ وهذه الأمور بين العقل والعلم كالمشاهد والدلالة الكبرى من عالم الغيب؛ والإيمان به واجب، كما جاء في الكتاب والسنة؛ فهذا هو الروح بأثره ووجوده مع عدم التأثير بعالم الجسد والفناء، فهي من أمر الله تعالى؛ فكيف بصاحب الأمر ـ جلَّ جلاله ـ الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فكان الله ولا كون، وخلق الله الكون، وهو هو على ما كان، هو كما أخبر، ليس كما يدرك البشر، والإعجاز عن الإدراك إدراك؛ ليس خارجا عن الكون، فهو ربّ العالمين، وليس داخلاً فيه، فهو المنزه عما خلق؛ قال الإمام الشافعي: من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره، فهو مشبه. وإن اطمأن إلى العدم الصرف، فهو معطل. وإن اطمأن لموجود، واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحِّد.
وورد أن خاتم النبيين  ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كان يدعو ويقول: (اللّهم يا دليل الحيارى زدني بك تحيرا)، فالروح سر الحياة، وسر الإدراك والإنابة، حار بها الخلائق؛ فكيف بخالق الكون والروح الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.  
ـ والروح لطيفة ربانية؛ فكيف باللطيف الذي خلقها !؛ والروح معك في كل مقتضى الحياتين بكل أطوار حياتك؛ فكيف إنابتك وحضورك مع الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم المتصرف بالروح بكل لحظات وجودها وما أُمرت به؛ فسبحان الذي خلق الروح، ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً))، فكيف بإنابتنا وذكرنا وحضور فكرنا مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في ساعات الليل والنهار ـ مع الذي يراقبنا بكل لحظات وجودنا. فتأمل.
الله الله كم نحن في غفلة وقصور وحيرة عن ربنا ـ جلَّ مجده؛ اللّهم أدركنا بلطفك الخفي، يا لطيف يا واسع يا عليم . يا الله . اللّهم زدنا معرفة بك وخشية، وزدنا تحيراً وحباً، وأدركنا بما أنت أهله وداً ولطفاً، واحفظ اللّهم أمة خاتم النبيين والمصطفى الأمين ـ صلى الله عليه وآله وسلم، مغفرةً وحفظاً ونصراً، اللّهم؛ آمينَ آمين. اللّهم صلِّ على سيدنا محمّدٍ صلاةً لا تُعد ولا تُحد ولا يحصي ثوابها أحد، يا رازق النعاب في وكره، يا رازق العبد الشكور ومن جَحد، يا من صفاته: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}. والحمد لله ربّ العالمين.                                                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق