الاثنين، 27 أكتوبر 2014


القسم الثاني من الرسالة الشاملة (111) بدين الله الحنيف الإسلام وهي المرتبة الأولى، وهو الإيمان ومراتبه ثلاثة:-
1 ـ التوحيد، وهو: تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأفهام، ويتخيل في الأوهام والأذهان، كما قال ـ جلَّ شأنه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}، وقال ـ جلَّ مجده: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فهو تنزيه الحق - جلَّ وعلا، عن الحدوث والشبيه والنظير، فهو القدوس في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ فهو الأزليُّ الأبديُّ: الأولُ بِلا بِداية، والآخرُ بِلا نهاية؛ كما قال ـ جلَّ ثناؤه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ»، رواه مسلم وغيره.
2ـ التجريد، وهو: الإخلاص في التوحيد، وهو قطع الأسباب عن الفؤاد، واتخاذ السبب ظاهراً شرعياً، والتعلق بالمسبب هو الله وحده؛ كما قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، وقال ـ جلَّ جلاله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وورد في الحديث قوله عليه الصّلاة والسّلام: «الإخلاص إيمان كلّه». والإخلاص لمن له البقاء، وإليه المرجع والمآب، وهو رب الأرض والسماوات ـ جلَّ في علاه - فهم قاصدون بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله تعالى، وطلب الزلفى لديه ـ جلَّ جلالُهُ، وعمَّ نوالُهُ.
3 ـ التفريد، وهو: الفرار من كل شيء إلى الله ـ جلَّ وعلا، كما قال ـ عزَّ ذكره: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ . وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِين}، سأل الصديق ـ أبو بكر - رضي الله عنه، رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم، من الفارين إلى الله؟ فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «أنت من الفارين إلى الله». {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، أي: ارجعوا إلى الله، أو اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه، بالإيمان والطاعة والمحبة، فيجب على العبد أن يفر من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى الهدى، ومن الشك إلى اليقين، ومن الشيطان إلى الرحمن، ومن الغفلة إلى ذكر الله؛ ليستكمل الإيمان والدين، حتى يحصل له غاية المراد والمطلوب، من الله - جلَّ جلالُهُ، وعمَّ فضلُهُ ونوالُهُ.
قال عليٌّ المرتضى  ـ رضي الله عنه، وكرم الله وجهه: " إن ربي - عزَّ وجل - هو الأول لم يبد مما، ولا ممازج مع ما، ولا حال وهما ولا شبح يتقصى، ولا محجوب فيحوى، ولا كان بعد أن لم يكن فيقال حادث، بل جلَّ أن يكيف المكيف للأشياء كيف كان، بل لم يزل ولا يزول لاختلاف الأزمان، ولا لتقلب شأن بعد شأن وكيف يوصف بالأشباح وكيف ينعت بالألسن الفصاح، من لم يكن في الأشياء فيقال بائن، ولم يبن عنها فيقال كائن، بل هو بلا كيفية وهو أقرب من حبل الوريد، وأبعد في الشبه من كل بعيد، لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور لفظة ولا ازدلاف رقوة، ولا انبساط خطوة، في غسق ليل داج ولا إدلاج، لا يتغشى عليه القمر المنير، ولا انبساط الشمس ذات النور بضوئهما في الكرور، ولا إقبال ليل مقبل، ولا إدبار نهار مدبر، إلا وهو محيط بما يريد من تكوينه، فهو العالم بكل مكان، وكل حين وأوان، وكل نهاية ومدة، والأمد إلى الخلق مضروب، والحد إلى غيره منسوب، لم يخلق الأشياء من أصول أولية، ولا بأوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق فأقام خلقه، وصور ما صور فأحسن صورته، توحد في علوه فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة شيء من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة في السموات والأرضين له مطيعة، علمه بالأموات البائدين، كعلمه بالأحياء المتقلبين، وعلمه بما في السموات العلى كعلمه بما في الأرض السفلى، وعلمه بكل شيء، لا تحيره الأصوات ولا تشغله اللغات سميع للأصوات المختلفة، بلا جوارح له مؤتلفة، مدبر بصير، عالم بالأمور، حي قيوم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق