الاثنين، 27 أكتوبر 2014

المرتبة الثالثة من مراتب ديننا الحنيف ـــ القسم الاول


المرتبة الثالثة من مراتب ديننا الحنيف، ألا وهو "مقام الإحسان العظيم" وهذا هو القسم الأول منه. 

 فالإحسان، هو: إسلام ظاهر يُقيمه، وإيمان باطن؛ يُكمّله إحسان شهوديّ، كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». ومراتب الإحسان ثلاثة:-
1ـ «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» أي: العمل بالدين الكامل الصالح، مع الهمة والتحمل في سبيل الله تعالى.
2 ـ «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ» أي: الحضور بالفكر والقلب لله ـ عزَّ وجلَّ، في ساعات الليل والنهار، وهي: "المراقبة" وهي: عدم الغفلة؛ في الحضور والذكر، والخضوع والخشوع لله ـ عزَّ وجلَّ.    
3 ـ «فَإِنَّهُ يَرَاكَ» فهو: تحقيق الذكر بالمذكور، ونسيان السوى، والتجلي من المولى ـ جلَّ وعلا، وهي "المشاهدة"، وهي: وجود الحقّ، مع فقد الخلْق، "أي بالقلب"؛ لتكون رعاية الحق تعالى، ومراقبته بعين عنايته، ورعايته، وحسن حمايته ـ جلَّ في علاه. وقد جمعت الآية الكريمة، هذه المراتب العلية، بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وهذا من جوامع كلمه ـ صلى الله عليه وسلم: إذ هو شامل لمقام المشاهدة، ومقام المراقبة، ويتضح لك ذلك بأن تعرف أن للعبد في عبادته ثلاثة مقامات: الأول: أن يفعلها على الوجه الذي تسقط مع وظيفة التكليف باستيفاء الشرائط والأركان.
  الثاني: أن يفعلها كذلك، وقد استغرق في بحار المكاشفة، حتى كأنه يرى الله تعالى، وهذا مقامه ـ صلى الله عليه وسلم، كما قال: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» لحصول الاستلذاذ بالطاعة، والراحة بالعبادة، وانسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه، وهو ثمرة امتلاء زوايا القلب من المحبوب، واشتغال السر به، ونتيجته نسيان الأحوال من المعلوم، واضمحلال الرسوم.
  الثالث: أن يفعلها وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده، وهذا هو مقام المراقبة، فقوله: «فإن لم تكن تراه» نزول عن مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة، أي: إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده، وأنت بحيث أنه يراك، وكل من المقامات الثلاث إحسان إلا أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأول؛ لأن الإحسان بالآخرين من صفة الخواص، ويتعذر من كثيرين. قاله القسطلاني في شرح البخاري.
ـ روى الإمام القشيري في "التحبير والتذكير، شرح أسماء الله الحسنى": أن أبا الحسين النوري بقى سبعة أيام قائماً لم يأكل ولم يشرب ولم ينم، وهو يقول: الله الله. فأُخبر الجنيد بذلك، فقال: انظروا أمحفوظةٌ عليه أوقاته أم لا؟، فقيل له: إنه يصلي الفرائض. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل للشيطان سبيلا، ثم قال: قوموا نَزره فإما نستفيد منه أو نفيده، فدخل عليه فقال: يا أبا الحسن، ما الذي دهاك؟.
فقال: أقول: الله الله ... زيدوا عليَّ.
فقال الجنيد: انظر هل قولك الله بالله أم بقولك أنت؟ فإن كان بالله فلست القائل له، وإن كان قولك لنفسك فأنت مع نفسك؛ فما معنى الوله والحيرة؟ فقال: نِعْمَ المؤدب أنت، وسَكنَ ولهُهُ. كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمًّا، وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةٍ هِيَ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ» رواه البخاري ومسلم واللفظ له. 
وإنَّ صدقة السر على العموم أفضل من صدقة العلانية، كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ"، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» متفق عليه. اللّهمَّ؛ ارزقنا طول الصحبة، ودوام الخدمة، وحفظ الحرمة، ولزوم المراقبة، وأنس الطاعة، وحلاوة المناجاة، ولذة المغفرة، وصدق الجنان، وحقيقة التوكل، وصفاء الود، ووفاء العهد، واعتقاد الوصل، وتجنب الزلل، وبلوغ الأمل، وحسن الخاتمة بصالح العمل، صلِّ على محمد خير البشر وآله وصحبه وسلم، آمينَ آمينَ آمين. والحمد لله ربّ العالمين. "وإلى القسم الثاني من مقام الإحسان إن شاء الله تعالى".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق