الاثنين، 27 أكتوبر 2014

"المرتبة الرابعة": ما يدور عليه ديننا الإسلام الحنيف


"المرتبة الرابعة": ما يدور عليه ديننا الإسلام الحنيف:-
ومراتبه ثلاثة:-
1ـ القصد، وهي: "النية"، فالمرء يصاب بنيته، كما قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وغيرهم، "والنية": ثلث الدين، ومحلها القلب، "والنية" شرط لقبول العبادات، وعليها مدار الدين وأحكامه؛ في الواجبات، وفي المستحبات، وفي المباحات؛ وهو إخلاص العمل بالدين لوجه الله ـ عزَّ وجلَّ.
قال العلّامة الكِرماني: في شرح صحيح الإمام البخاري: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، هو جمع النية، وهو القصد إلى الفعل، وهذا التركيب مفيد للحصر اتفاقاً من المحققين؛ أي: لا عمل إلا بالنية، فقيل: لأن الأعمال جمعٌ محكي باللام مفيدٌ للاستغراق، وهو مستلزم للقصر؛ إذ معناه: كل عمل بالنية، فلا عمل إلا بالنية، وإلا فلا يصدق كل عمل إلا بالنية.    
  2 ـ الورع، وهو: اجتناب الشبهات خوفًا من الوقوع في المحرمات، كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» متفق عليه، قال جماعة: هو ثلث الإسلام، وأن الإسلام يدور عليه وعلى حديث: "الأعمال بالنية"، وحديث: «من حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مالا يَعْنِيهِ» رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجه، وفي أخرى: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى، كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس». 
وزاد الحافظ أبو داود السجستاني: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلا أبَا دَاوُدَ، وورد عنه ـ عليه السّلام: «الورع الدين». وحقيقة الورع: إمساك العين عن التلذذ بالزهرات، وإمساك النفس عن الشهوات، وإمساك القلب عن الغفلات، وإمساك الروح عن الفترات، وإمساك السر عن الالتفات. قالوا: ملتفت لا يصل، ومتسلل لا يفلح.  
3 ـ الأدب، وهو: عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال العلّامة علاء الدين علي البغدادي، في "تفسيره": ولما كانت أخلاق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كاملة حميدة، وأفعاله المرضية الجميلة وافرة؛ وصفها الله تعالى بأنها عظيمة. وحقيقة الخلُقُ: قوة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة، والآداب المرضية، فيصير كالخِلْقَة في صاحبه، ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والبخل والتشديد في المعاملات، فيستعمل في حسن الخلق التحبب إلى الناس بالقول والفعل والبذل وحسن الأدب والمعاشرة بالمعروف مع الأقارب والأجانب، والتساهل في جميع الأمور، والتسامح بما يلزم من الحقوق، وترك التقاطع والتهاجر، واحتمال الأذى من الأعلى والأدنى مع طلاقة الوجه وإدامة البشر؛ فهذه الخصال تجمع جميع محاسن الأخلاق، ومكارم الأفعال؛ ولقد كان جميع ذلك في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، كما قال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه أحمد والحاكم، وفي أخرى: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِتَمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَتَمَامِ مَحَاسِنِ الأفْعَالِ» رواه البغوي في "شرح السُّنَّة".      
        وقال أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسَدِّدَ، لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ بِآيَاتِ اللهِ، بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وَكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ»، رواه أحمد، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا» رواه الترمذي. قالوا: عليكم بالأدب، فإن الأدب باب الأَرب، وهو: مصاحبة الخلق في الشفقة، واجتناب المن في النفقة.  
سُئل الحسن البصري ـ رضي الله عنه، عن أنفع الأدب، فقال: التفقه في الدين، والزهد في الدنيا، والمعرفة بحقوق الله تعالى على عبده، وقال: ملاك الدين الورع، وفساد الدين الطمع.
اللَّهمَّ؛ بحمدك وثنائك ومجدك، أصبحت وأمسيت غريباً في أرضك، أعبدك وأستعين بك، فاهدني سبل السلام بالنور والبيان، واخرجني من الظُّلمات إلى النّور، واهدني إلى صراط مستقيم، يا موجود قبل كلِّ موجود، يا أوّل يا آخر يا ظاهر يا باطن، ضاقت عليَّ بما رحبت، وضاقت عليَّ نفسي، لا ملجأ منك إلا إليك، فتب عليَّ لأتوب إنك أنت التواب الرحيم، صلِّ على النَّبيِّ المصطفى الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن والاه ـ إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق